فصل: تفسير الآيات (5- 6):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (5- 6):

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)}
ذكر ها هنا بعض نعمه على المكلفين، وهي مما يستدل به على وجوده ووحدته، وقدرته وعلمه، وحكمته بإتقان صنعه في هذين النيرين المتعاقبين على الدوام، بعدما ذكر قبل هذا إبداعه للسموات والأرض، واستواءه على العرش، وغير ذلك. والضياء قيل: جمع ضوء، كالسياط والحياض. وقرأ قنبل عن ابن كثير {ضئاء} بجعل الياء همزة مع الهمزة. ولا وجه له، لأن ياءه كانت واواً مفتوحة، وأصله: {ضواء} فقلبت ياء لكسر ما قبلها. قال المهدوي: ومن قرأ: {ضئاء} بالهمزة فهو مقلوب قدّمت الهمزة التي بعد الألف، فصارت قبل الألف، ثم قلبت الياء همزة، والأولى: أن يكون {ضياء} مصدراً لا جمعاً، مثل قام يقوم قياماً، وصام يصوم صياماً، ولابد من تقدير مضاف: أي: جعل الشمس ذات ضياء والقمر ذا نور إلا أن يحمل على المبالغة، وكأنهما جعلا نفس الضياء والنور. قيل: الضياء أقوى من النور، وقيل الضياء هو ما كان بالذات، والنور ما كان بالعرض، ومن هنا قال الحكماء: إن نور القمر مستفاد من ضوء الشمس.
قوله: {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} أي: قدر مسيره في منازل، أو قدره ذا منازل، والضمير راجع إلى القمر، ومنازل القمر: هي المسافة التي يقطعها في يوم وليلة بحركته الخاصة به، وجملتها ثمانية وعشرون وهي معروفة، ينزل القمر في كل ليلة منها منزلاً لا يتخطاه، فيبدو صغيراً في أول منازله، ثم يكبر قليلاً قليلاً حتى يبدو كاملاً، وإذا كان في آخر منازله رقّ واستقوس، ثم يستتر ليلتين إذا كان الشهر كاملاً، أو ليلة إذا كان ناقصاً، والكلام في هذا يطول، وقد جمعنا فيه رسالة مستقلة جواباً عن سؤال أورده علينا بعض الأعلام. وقيل: إن الضمير راجع إلى كل واحد من الشمس والقمر، كما قيل في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11]. وفي قول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما ** عندك راض والرأي مختلف

وقد قدّمنا تحقيق هذا فيما سبق من هذا التفسير، والأولى رجوع الضمير إلى القمر وحده، كما في قوله تعالى: {والقمر قدرناه مَنَازِلَ} [ياس: 39]، ثم ذكر بعض المنافع المتعلقة بهذا التقدير، فقال: {لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب} فإن في العلم بعدد السنين من المصالح الدينية والدنيوية ما لا يحصى، وفي العلم بحساب الأشهر والأيام والليالي من ذلك ما لا يخفى، ولولا هذا التقدير الذي قدّره الله سبحانه، لم يعلم الناس بذلك ولا عرفوا ما يتعلق به كثير من مصالحهم. والسنة تتحصل من اثني عشر شهراً، والشهر يتحصل من ثلاثين يوماً إن كان كاملاً، واليوم يتحصل من ساعات معلومة هي: أربع وعشرون ساعة لليل والنهار، قد يكون لكل واحد منهما اثنتا عشرة ساعة في أيام الاستواء، ويزيد أحدهما على الآخر في أيام الزيادة وأيام النقصان، والاختلاف بين السنة الشمسية والقمرية معروف؛ ثم بيّن سبحانه أنه ما خلق الشمس والقمر، واختلاف تلك الأحوال إلا بالحق والصواب، دون الباطل والعبث، فالإشارة بقوله: {ذلك} إلى المذكور قبله، واستثناء مفرّغ من أعم الأحوال، ومعنى تفصيل الآيات تبينها، والمراد بالآيات التكوينية أو التنزيلية أو مجموعهما، وتدخل هذه الآيات التكوينية المذكورة هنا دخولاً أوّلياً في ذلك.
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص، ويعقوب: {يفصل} بالتحتية. وقرأ ابن السميفع {تفصل} بالفوقية على البناء للمفعول. وقرأ الباقون بالنون. واختار أبو عبيد، وأبو حاتم، القراءة الأولى، ولعل وجه هذا الاختيار أن قبل هذا الفعل {مَا خَلَقَ الله ذلك إِلاَّ بالحق} وبعده {وَمَا خَلَقَ الله في السموات والارض}.
ثم ذكر سبحانه المنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار، وما خلق في السموات والأرض من تلك المخلوقات، فقال: {إِنَّ في اختلاف اليل والنهار وَمَا خَلَقَ الله في السموات والأرض لآيات لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ} أي: الذين يتقون الله سبحانه، ويجتنبون معاصيه، وخصهم بهذه الآيات لأنهم الذين يمعنون النظر والتفكر في مخلوقات الله سبحانه حذراً منهم عن الوقوع في شيء مما يخالف مراد الله سبحانه، ونظراً لعاقبة أمرهم، وما يصلحهم في معادهم. قال القفال: من تدبر في هذه الأحوال علم أن الدنيا مخلوقة لبقاء الناس فيها، وأن خالقها وخالقهم ما أهملهم، بل جعلها لهم دار عمل، وإذا كان كذلك فلابد من أمر ونهي.
وقد أخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ، في قوله تعالى: {جَعَلَ الشمس ضِيَاء والقمر نُوراً} قال: لم يجعل الشمس كهيئة القمر لكي يعرف الليل من النهار، وهو قوله: {فَمَحَوْنَا ءايَةَ اليل} [الإسراء: 12].
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس، في الآية قال: وجوههما إلى السموات، وأقفيتهما إلى الأرض.
وأخرج ابن مردويه، عن عبد الله بن عمرو، مثله.
وأخرج أبو الشيخ، عن خليفة العبدي، قال: لو أن الله تبارك وتعالى لم يعبد إلا عن رؤية ما عبده أحد، ولكن المؤمنون تفكروا في مجيء هذا الليل إذا جاء فملأ كل شيء وغطى كل شيء، وفي مجيء سلطان النهار إذا جاء فمحا سلطان الليل، وفي السحاب المسخر بين السماء والأرض، وفي النجوم، وفي الشتاء والصيف، فوالله ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق ربهم تبارك وتعالى حتى أيقنت قلوبهم بربهم.

.تفسير الآيات (7- 10):

{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)}
شرع الله سبحانه في شرح أحوال من لا يؤمن بالمعاد، ومن يؤمن به، وقدّم الطائفة التي لم تؤمن، لأن الكلام في هذه السورة مع الكفار الذين يعجبون مما لا عجب فيه، ويهملون النظر والتفكر فيما لا ينبغي إهماله مما هو مشاهد لكل حيّ طول حياته، فيتسبب عن إهمال النظر، والتفكر الصادق: عدم الإيمان بالمعاد، ومعنى الرجاء هنا الخوف، ومنه قول الشاعر:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ** وخالفها في بيت نوبٍ عواسلِ

وقيل {يرجون}: يطمعون. ومنه قول الشاعر:
أترجو بني مروان سمعي وطاعتي ** وقومي تميم والفلاة ورائيا

فالمعنى على الأوّل: لا يخافون عقاباً. وعلى الثاني: لا يطمعون في ثواب إذا لم يكن المراد باللقاء حقيقته، فإن كان المراد به حقيقته كان المعنى: لا يخافون رؤيتنا، أو لا يطمعون في رؤيتنا. وقيل: المراد بالرجاء هنا: التوقع، فيدخل تحته الخوف والطمع، فيكون المعنى: {لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} لا يتوقعون لقاءنا، فهم لا يخافونه، ولا يطمعون فيه {وَرَضُواْ بالحياة الدنيا} أي: رضوا بها عرضاً عن الآخرة، فعملوا لها {واطمأنوا بِهَا} أي: سكنت أنفسهم إليها، وفرحوا بها {والذين هُمْ عَنْ ءاياتنا غافلون} لا يعتبرون بها، ولا يتفكرون فيها {أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ} أي: مثواهم، ومكان إقامتهم النار، والإشارة إلى المتصفين بالصفات السابقة من عدم الرجاء، وحصول الرضا والاطمئنان، والغفلة {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} أي: بسبب ما كانوا يكسبون من الكفر والتكذيب بالمعاد فهذا حال الذين لا يؤمنون بالمعاد.
وأما حال الذين يؤمنون به، فقد بيّنه سبحانه بقوله: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ} أي: فعلوا الإيمان الذي طلبه الله منهم بسبب ما وقع منهم من التفكر والاعتبار، فيما تقدّم ذكره من الآيات {وَعَمِلُواْ الصالحات} التي يقتضيها الإيمان. وهي ما شرعه الله لعباده المؤمنين {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} أي: يرزقهم الهداية بسبب هذا الإيمان المضموم إليه العمل الصالح، فيصلون بذلك إلى الجنة، وجملة: {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} مستأنفة، أو خبر ثان، أو في محل نصب على الحال. ومعنى {من تحتهم}: من تحت بساتينهم، أو من بين أيديهم؛ لأنهم على سرر مرفوعة. وقوله: {فِي جنات النعيم} متعلق بتجري أو ب {يهديهم} أو خبر آخر أو حال من {الأنهار}.
قوله: {دَعْوَاهُمْ} أي: دعاؤهم ونداؤهم، وقيل: الدعاء العبادة، كقوله تعالى: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} [مريم: 48] وقيل معنى {دعواهم} هنا: الادّعاء الكائن بين المتخاصمين، والمعنى: أن أهل الجنة يدعون في الدنيا والآخرة تنزيه الله سبحانه من المعايب والإقرار له بالإلهية. قال القفال: أصله من الدعاء لأن الخصم يدعو خصمه إلى من يحكم بينهما، وقيل معناه: طريقتهم وسيرتهم، وذلك أن المدّعي للشيء مواظب عليه، فيمكن أن تجعل الدعوى كناية عن الملازمة، وإن لم يكن في قوله: {سبحانك اللهم} دعوى ولا دعاء؛ وقيل معناه: تمنيهم كقوله: {وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} [ياس: 57] وكأن تمنيهم في الجنة ليس إلا تسبيح الله وتقديسه، وهو مبتدأ وخبره {سبحانك اللهم} و{فِيهَا} أي: في الجنة. والمعنى على القول الأوّل: أن دعاءهم الذي يدعون به في الجنة هو تسبيح الله وتقديسه، والمعنى: نسبحك يا الله تسبيحاً. قوله: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} أي: تحية بعضهم للبعض. فيكون المصدر مضافاً إلى الفاعل، أو تحية الله أو الملائكة لهم، فيكون من إضافة المصدر إلى المفعول.
وقد مضى تفسير هذا في سورة النساء، قوله: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} أي: وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح أن يقولوا: الحمد لله رب العالمين. قال النحاس: مذهب الخليل أن (أن) هذه مخففة من الثقيلة. والمعنى: أنه الحمد لله.
وقال محمد بن يزيد المبرد: ويجوز أن تعملها خفيفة عملها ثقيلة. والرفع أقيس، ولم يحك أبو عبيد إلا التخفيف. وقرأ ابن محيصن بتشديد أنّ ونصب الحمد.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن مجاهد، في قوله: {وَرَضُواْ بالحياة الدنيا} قال: مثل قوله: {مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} [هود: 15] الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد، أيضاً في قوله: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} قال: يكون لهم نور يمشون به.
وأخرج أبو الشيخ، عن قتادة، مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن قتادة، في قوله: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} قال: حدّثنا الحسن قال: بلغنا أن رسول الله قال: «إن المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة حسنة وريح طيبة، فيقول له: ما أنت؟ فوالله إني لأراك عين امرئ صدق، فيقول له: أنا عملك، فيكون له نوراً وقائداً إلى الجنة؛ وأما الكافر، فإذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة وريح منتنة، فيقول له: ما أنت؟ فوالله إني لأراك عين امرئ سوء، فيقول له: أنا عملك، فينطلق به حتى يدخله النار»، وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، عن ابن جريج، نحوه.
وأخرج ابن مردويه، عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله: «إذا قالوا سبحانك اللهم أتاهم ما اشتهوا من الجنة من ربهم» وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن أبي الهذيل، قال: الحمد أوّل الكلام وآخر الكلام، ثم تلا: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين}.

.تفسير الآيات (11- 16):

{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)}
لما ذكر الله سبحانه الوعيد على عدم الإيمان بالمعاد، ذكر أن هذا العذاب من حقه أن يتأخر عن هذه الحياة الدنيا. قال القفال: لما وصفهم بالغفلة أكد ذلك بأن من غاية غفلتهم أن الرسول متى أنذرهم استعجلوا العذاب، فبيّن الله سبحانه أنه لا مصلحة في إيصال الشرّ إليهم، فلعلهم يتوبون ويخرج من أصلابهم من يؤمن، قيل: معنى {وَلَوْ يُعَجّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير} لو عجل الله للناس العقوبة كما يتعجلون بالثواب والخير {لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} أي: ماتوا. وقيل المعنى: لو فعل الله مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم. وقيل: الآية خاصة بالكفار الذين أنكروا البعث، وما يترتب عليه. قال في الكشاف: وضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير، إشعاراً بسرعة إجابته وإسعافه بطلبتهم حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل له. والمراد: أهل مكة، وقولهم: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء} [الأنفال: 32] الآية. قيل: والتقدير: ولو يعجل الله لهم الشرّ عند استعجالهم به تعجيلاً مثل تعجيله لهم بالخير عند استعجالهم به، فحذف ما حذف لدلالة الباقي عليه. قال أبو عليّ الفارسي: في الكلام حذف، والتقدير: {وَلَوْ يُعَجّلُ الله لِلنَّاسِ الشر} تعجيلاً مثل {استعجالهم بالخير} ثم حذف تعجيلاً وأقام صفته مقامه، ثم حذف صفته وأقام المضاف إليه مقامه قال: هذا مذهب الخليل وسيبويه، وهو قول الأخفش والفرّاء، قالوا: وأصله كاستعجالهم، ثم حذف الكاف ونصب. قال الفراء: كما تقول: ضربت زيداً ضربك، أي كضربك، ومعنى {لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} لأهلكوا، ولكنه سبحانه لم يعجل لهم الشرّ فأمهلوا. وقيل معناه: أميتوا. وقرأ ابن عامر {لقضى} على البناء للفاعل، وهي قراءة حسنة لمناسبة ذلك لقوله: {وَلَوْ يُعَجّلُ الله} قوله: {فَنَذَرُ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا في طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} الفاء للعطف على مقدّر يدلّ عليه الكلام، لأن قوله: {وَلَوْ يُعَجّلُ الله} يتضمن نفي التعجيل، فكأنه قيل: لكن لا يعجل لهم الشرّ، ولا يقضي إليهم أجلهم، فنذرهم إلخ: أي فنتركهم ونمهلهم، والطغيان: التطاول، وهو العلوّ والارتفاع، ومعنى {يَعْمَهُونَ} يتحيرون، أي نتركهم يتحيرون في تطاولهم وتكبرهم، وعدم قبولهم للحق استدراجاً لهم منه سبحانه وخذلاناً.
ثم بيّن الله سبحانه أنهم كاذبون في استعجال الشرّ، ولو أصابهم ما طلبوه لأظهروا العجز والجزع، فقال: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر} أي: هذا الجنس الصادق على كل ما يحصل التضرر به {دَعَانَا لِجَنبِهِ} اللام للوقت، كقوله: جئته لشهر كذا، أو في محل نصب على الحال بدلالة عطف قاعداً أو قائماً عليه، وتكون اللام بمعنى على: أي دعانا مضطجعاً {أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} وكأنه قال: دعانا في جميع الأحوال المذكورة وغيرها، وخصّ المذكورة بالذكر؛ لأنها الغالب على الإنسان، وما عداها نادر كالركوع والسجود، ويجوز أن يراد أنه يدعو الله حال كونه مضطجعاً غير قادر على القعود، وقاعداً غير قادر على القيام، وقائماً غير قادر على المشي، والأوّل: أولى.
قال الزجاج: إن تعديل أحوال الدعاء أبلغ من تعديد أحوال المضرّة، لأنه إذا كان داعياً على الدوام، ثم نسي في وقت الرخاء كان أعجب.
قوله: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إلى ضُرّ مَّسَّهُ} أي: فلما كشفنا عنه ضرّه الذي مسه، كما تفيده الفاء، مضى على طريقته التي كان عليها قبل أن يمسه الضرّ، ونسي حالة الجهد والبلاء، أو مضى عن موقف الدعاء والتضرّع، لا يرجع إليه؛ كأنه لا عهد له به، كأنه لم يدعنا عند أن مسه الضرّ إلى كشف ذلك الضرّ الذي مسه. وقيل معنى {مَرَّ} استمرّ على كفره، ولم يشكر، ولم يتعظ. قال الأخفش: (أن) في {كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا} هي المخففة من الثقيلة، والمعنى: كأنه انتهى. والجملة التشبيهية في محل نصب على الحال، وهذه الحالة التي ذكرها الله سبحانه للداعي لا تختص بأهل الكفر، بل تتفق لكثير من المسلمين، تلين ألسنهم بالدعاء وقلبهم بالخشوع والتذلل عند نزول ما يكرهون بهم. فإذا كشفه الله عنهم غفلوا عن الدعاء والتضرّع، وذهلوا عما يجب عليهم من شكر النعمة التي أنعم الله بها عليهم، من إجابة دعائهم ورفع ما نزل بهم من الضرّ، ودفع ما أصابهم من المكروه. وهذا مما يدلّ على أن الآية تعمّ المسلم والكافر، كما يشعر به لفظ الناس، ولفظ الإنسان، اللهم أوزعنا شكر نعمك، وأذكرنا الأحوال التي مننت علينا فيها بإجابة الدعاء، حتى نستكثر من الشكر الذي لا نطيق سواه، ولا نقدر على غيره، وما أغناك عنه وأحوجنا إليه {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]. والإشارة بقوله: {كذلك زُيّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} إلى مصدر الفعل المذكور بعده كما مرّ غير مرة، أي: مثل ذلك التزيين العجيب زين للمسرفين عملهم. والمسرف في اللغة: هو الذي ينفق المال الكثير لأجل الغرض الخسيس، ومحل {كذلك} النصب على المصدرية. والتزيين هو: إما من جهة الله تعالى على طريقة التحلية وعدم اللطف بهم، أو من طريق الشيطان بالوسوسة، أو من طريق النفس الأمارة بالسوء. والمعنى: أنه زين لهم الإعراض عن الدعاء، والغفلة عن الشكر، والاشتغال بالشهوات.
ثم ذكر سبحانه ما يجري مجرى الردع والزجر، عما صنعه هؤلاء، فقال: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ} يعني: الأمم الماضية من قبل هؤلاء الكفار المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم: أي أهلكناهم من قبل زمانكم. وقيل: الخطاب لأهل مكة على طريق الالتفات للمبالغة في الزجر، و{لما} ظرف ل {أهلكنا}: أي أهلكناهم حين فعلوا الظلم بالتكذيب، والتجاري على الرسل، والتطاول في المعاصي من غير تأخير لإهلاكهم، كما أخرنا إهلاككم، والواو في {وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} للحال بإضمار قد، أي وقد جاءتهم رسلهم الذين أرسلناهم إليهم بالبينات، أي بالآيات البينات الواضحات الدلالة على صدق الرسل، وقيل الواو للعطف على {ظَلَمُواْ} والأوّل أولى، وقيل: المراد بالظلم هنا: هو الشرك.
والواو في {وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} للعطف على ظلموا، أو الجملة اعتراضية. واللام لتأكيد النفي: أي وما صح لهم وما استقام أن يؤمنوا لعدم استعدادم لذلك، وسلب الألطاف عنهم {كذلك نَجْزِي القوم المجرمين} أي: مثل ذلك الجزاء نجزي القوم المجرمين. وهو الاستئصال الكلي لكل مجرم، وهذا وعيد شديد لمن كان في عصره من الكفار، أو لكفار مكة على الخصوص.
ثم خاطب سبحانه الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {ثُمَّ جعلناكم خلائف} أي: استخلفناكم في الأرض بعد تلك القرون التي تسمعون أخبارها وتنظرون آثارها، والخلائف جمع خليفة، وقد تقدّم الكلام عليه في آخر سورة الأنعام، واللام في {لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} لام كي: أي: لكي ننظر كيف تعملون من أعمال الخير أو الشرّ، و{كَيْفَ} في محل نصب بالفعل الذي بعده: أي لننظر أيّ عمل تعملونه، أو في محل نصب على الحالية، أي على أيّ حالة تعملون الأعمال اللائقة بالاستخلاف.
ثم حكى الله سبحانه نوعاً ثالثاً من تعنتهم وتلاعبهم بآيات الله، فقال: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا بَيّنَاتٍ} وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة إعراضاً عنهم، والمراد بالآيات: الآيات التي في الكتاب العزيز: أي وإذا تلا التالي عليهم آياتنا الدالة على إثبات التوحيد، وإبطال الشرك، حال كونها بينات: أي واضحات الدلالة على المطلوب {قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} وهم المنكرون للمعاد، وقد تقدّم تفسيره قريباً: أي قالوا لمن يتلوها عليهم، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم {ائت بِقُرْءانٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدّلْهُ} طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا ما غاظهم فيما تلاه عليهم من القرآن من ذمّ عبادة الأوثان، والوعيد الشديد لمن عبدها أحد أمرين: إما الإتيان بقرآن غير هذا القرآن مع بقاء هذا القرآن على حاله، وإما تبديل هذا القرآن بنسخ بعض آياته، أو كلها، ووضع أخرى مكانها مما يطابق إرادتهم ويلائم غرضهم، فأمره الله أن يقول في جوابهم: {مَا يَكُونُ لِى} أي: ما ينبغي لي، ولا يحلّ لي، أن أبدّله من تلقاء نفسي؛ فنفى عن نفسه أحد القسمين، وهو التبديل؛ لأنه الذي يمكنه لو كان ذلك جائزاً، بخلاف القسم الآخر وهو الإتيان بقرآن آخر، فإن ذلك ليس في وسعه ولا يقدر عليه.
وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم نفى عن نفسه أسهل القسمين ليكون دليلاً على نفي أصعبهما بالطريق الأولى، وهذا منه من باب مجاراة السفهاء، إذ لا يصدر مثل هذا الاقتراح عن العقلاء بعد أن أمره الله سبحانه بذلك. وهو أعلم بمصالح عباده وبما يدفع الكفار عن هذه الطلبات الساقطة والسؤالات الباردة، و{تِلْقَاء} مصدر استعمل ظرفاً، من قبل {من تلقاء نفسي}. قال الزجاج: سألوه إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور. وقيل: سألوه أن يسقط ما فيه من عيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم؛ وقيل: سألوه أن يحوّل الوعد وعيداً والحرام حلالاً والحلال حراماً، ثم أمره أن يؤكد ما أجاب به عليهم من أنه ما صح له، ولا استقام أن يبدّله من تلقاء نفسه بقوله: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحِى إِلَىَّ} أي: ما أتبع شيئاً من الأشياء إلا ما يوحى إليّ من عند الله سبحانه من غير تبديل ولا تحويل، ولا تحريف ولا تصحيف، فقصر حاله صلى الله عليه وسلم على اتباع ما يوحى إليه، وربما كان مقصد الكفار بهذا السؤال التعريض للنبي صلى الله عليه وسلم بأن القرآن كلامه، وأنه يقدر على الإتيان بغيره والتبديل له، ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم تكميلاً للجواب عليهم: {إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فإن هذه الجملة كالتعليل لما قدّمه من الجواب قبلها، واليوم العظيم هو يوم القيامة: أي {إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى} بفعل ما تطلبون على تقدير إمكانه عذاب يوم القيامة. ثم أكد سبحانه كون هذا القرآن من عند الله، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما يبلغ إليهم منه ما أمره الله بتبليغه لا يقدر على غير ذلك، فقال: {قُل لَّوْ شَاء الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ} أي: أن هذا القرآن المتلوّ عليكم هو بمشيئة الله وإرادته، ولو شاء الله أن لا أتلوه عليكم ولا أبلغكم إياه ما تلوته، فالأمر كله منوط بمشيئة الله، ليس لي في ذلك شيء قوله: {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} معطوف على ما تلوته، ولو شاء الله ما أداركم بالقرآن: أي ما أعلمكم به على لساني يقال: دريت الشيء وأدراني الله به. هكذا قرأ الجمهور بالألف من أدراه يدريه أعلمه يعلمه. وقرأ ابن كثير: {ولأدراكم به} بغير ألف بين اللام والهمزة، والمعنى: ولو شاء الله لأعلمكم به من غير أن أتلوه عليكم. فتكون اللام لام التأكيد دخلت على ألف أفعل.
وقد قرئ: {أدرؤكم} بالهمزة، فقيل: هي منقلبة عن الألف، لكونهما من واد واحد، ويحتمل أن يكون من درأته إذا دفعته، وأدرأته إذا جعلته دارياً. والمعنى: لأجعلكم بتلاوته خصماء تدرءونني بالجدال وتكذبونني.
وقرأ ابن عباس، والحسن {ولا أدراتكم به} قال أبو حاتم: أصله: ولا أدريتكم به، فأبدل من الياء ألفاً، قال النحاس: وهذا غلط. والرواية عن الحسن {ولا أدرأتكم} بالهمزة. قوله: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مّن قَبْلِهِ} تعليل لكون ذلك بمشيئة الله، ولم يكن من النبي إلا التبليغ، أي قد أقمت فيما بينكم عمراً من قبله، أي زماناً طويلاً. وهو أربعون سنة من قبل القرآن تعرفونني بالصدق والأمانة، لست ممن يقرأ ولا ممن يكتب {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} الهمزة للتقريع والتوبيخ، أي أفلا تجرون على ما يقتضيه العقل من عدم تكذيبي لما عرفتم من العادة المستمرة إلى المدّة الطويلة بالصدق والأمانة. وعدم قراءتي للكتب المنزلة على الرسل وتعلمي لما عند أهلها من العلم، ولا طلبي لشيء من هذا الشأن، ولا حرصي عليه، ثم جئتكم بهذا الكتاب الذي عجزتم عن الإتيان بسورة منه، وقصرتم عن معارضته وأنتم العرب المشهود لهم بكمال الفصاحة، المعترف لهم بأنهم البالغون فيها إلى مبلغ لا يتعلق به غيركم؟
وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {وَلَوْ يُعَجّلُ الله الناس الشر} الآية، قال: هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليهم: اللهم لا تبارك فيه والعنه. {لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} قال: لأهلك من دعا عليه وأماته.
وأخرج أبو الشيخ، عن سعيد بن جبير، في الآية قال: قول الرجل للرجل: اللهم العنه، اللهم اخزه، وهو يحب أن يستجاب له.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة، في الآية قال: هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له.
وحكى القرطبي في تفسيره عن ابن إسحاق، ومقاتل، في الآية قالا: هو قول النضر بن الحارث: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء} [الأنفال: 32]. فلو عجل لهم هذا لهلكوا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن جريج، في قوله: {دَعَانَا لِجَنبِهِ} قال: مضطجعاً.
وأخرج أبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} قال: على كل حال.
وأخرج أبو الشيخ، عن أبي الدرداء، قال: ادع الله يوم سرّائك يستجاب لك يوم ضرّائك.
وأقول أنا: أكثر من شكر الله على السرّاء يدفع عنك الضرّاء. فإن وعده للشاكرين بزيادة النعم مؤذن بدفعه عنهم النقم، لذهاب حلاوة النعمة عند وجود مرارة النقمة، اللهم اجمع لنا بين جلب النعم وسلب النقم، فإنا نشكرك عدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان في كل زمان. ونحمدك عدد ما حمدك الحامدون بكل لسان في كل زمان.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {ثُمَّ جعلناكم خلائف في الأرض} الآية، قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية فقال: صدق ربنا ما جعلنا خلائف في الأرض إلا لينظر إلى أعمالنا.
فأروا الله خير أعمالكم بالليل والنهار، والسرّ والعلانية.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن جريج، قال: {خلائف في الأرض} لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {ائت بِقُرْءانٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدّلْهُ} قال: هذا قول مشركي أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} أعلمكم به.
وأخرج أبو الشيخ، عن قتادة، قال: {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} ولا أشعركم به.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: {ولا أنذرتكم به}.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ، في قوله: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مّن قَبْلِهِ} قال: لم أتل عليكم ولم أذكر.
وأخرجا عنه قال: لبث أربعين سنة قبل أن يوحى إليه ورأى الرؤيا سنتين، وأوحى الله إليه عشر سنين بمكة، وعشراً بالمدينة، وتوفي وهو ابن اثنتين وستين سنة.
وأخرج ابن أبي شيبة، والبخاري، والترمذي، عن ابن عباس، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاثة عشر يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة.